فايع آل مشيرة عسيري
صحيفة الوطن

هل كان يدرك أحمد شوقي تداعيات الزمان، والمكان..
حين قال في وصف المعلم:
قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساًوَعُقولا
هل كان يعلم "أمير الشعراء" أن المعلم سيصبح في عصرنا الحلقة الأضعف في سلسلة التعليم الطويلة، وتعاميم الوصائية، والقائمة على طريقة "افعل، ولا تفعل" حتى بات ذاك المعلم.. موطنا للجور، ومسرحا للمواجهة غير المتكافئة، مع وزارته.
فضلا عن بيروقراطية دوما ما تقف حجر عثرة في طريق حقوقه المسلوبة، والمادة "18" التي باتت كابوسا جاثما على نفوس وقلوب المعلمين والمعلمات، تلك القلوب والنفوس والمكلومة بقرارات تعسفية، واغتصاب المادة "18" المشؤومة بقرارات تتنافى مع طبيعة القطاع المدني..
المعلم هو شمعة تحترق... وأرجوكم لا تكملوا؛ لأننا مللنا منها كما مللناها على جدران مدارسنا المشروخة بالإذاعة الصباحية المتثائبة بذات الومضة الرتيبة..
المعلم شمعة تحترق في نفسها قبل أن تحترق للتلاميذ؛ لأنها تعمل وفق نفسية تواقة لأن ترى حقوقها واقعا ملموسا.. بدلا من ندوات، وعقد محاضرات، وتعاميم وتقارير، وزيارة مشرفين، وفلاشات، والبوابة الإلكترونية..
المعلم ما زال يبحث عن مكانته المسلوبة من سنين طويلة.. وكأنه عزيز قوم ذل..؟!
كما يبحث لاهثا خلف الدرجة المستحقة التي دفنت في وأد الضياع، والوعود، التي أضحت كالسراج الذي يضيء لنفسه فقط.. دون أن يضيء للمعلم المحتاج.. وما زال ذاك المعلم يستجدي عطف وزارته، واكتفى بالانكفاء والركون للمستوى المستحق دون الدرجة المستحقة.. بعد أن ضاق ذرعا.
بعد معاناة طويلة متنقلا متغربا "متلطشا" بـ"٢٤" حصة، ومكملا في مدرسة أخرى.. إضافة لدبلومه التربوي الذي مضى عامه الثاني دون تباشير أمل بأن يحسب لبعض المعلمين، إضافة إلى معاناة القـياس، وما أدراك ما القياس؟!
القياس الذي أضاع قياسه، وبات لا يملك عطفا ولا رحمة، وهو يقف في وجه كل معلم، أو معلمة قضت، أو قضى أربعة أعوام أو تزيد على مقاعد الدراسة الجامعية المتعبة.. لتختصر كل تلك السنوات الأربعة المجهضة على رصيف الانتظار في أربع ساعات فقط..؟!
كل هذا وأكثر ما زال طالب يردد في إذاعته الصباحية..المعلم "شمعة تحترق..."
كل هذا وأكثر قد يهون، ولكن أن يسقط المعلم، ويثخن بالجراح داخل مدرسته بتلك الوحشية، وبطعنات غادرة غائرة، وجرج عميق، وأمام طلابه. المشهد محزن مفزع مفجع.. لم يصل هذا الوضع إلى هذا الحد إلا بعد اضطراب واضح في قيمنا التعليمية التي ضاعت بين إصلاحات، وشعارات براقة، وتطويرالمناهج، والقضاء على المباني المستأجرة، وحفظ حقوق الطلاب. في الوقت نفسه ما زالت الوزارة تمارس سياسة الإقصاء، والتهميش غير المبررين لهذا المعلم الأضحوكة، وتحول المسلسل لمهزلة على كل لسان متعاطف أو حاقد.